رحلتي من “اللهم ارزقنا الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب” إلى “اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”!

الكسل؟
صدقني أنت لا تعرف شيئًا عن الكسل إذا كنت لا تعرفني من قبل.
إذا كان هناك طريق طويل وآخر قصير للوصول لنفس النتيحة فلن أسلك أيًا منهما، بل ستجدني أبتكر طريقًا أقصر لأسلكه!

هذا الذي قرأت باﻷعلى هو “أنا” عندما كنت صغيرًا، أما الآن؟ فهناك فرق شاسع! فقد زاد الموضوع وتفاقم 🙂 ولما لا وقد رزقني الله بعمل من البيت ثم الزواج وغيره من الأمور التي جعلت من البيت مكان مثالي لأمثالي، فلا مواصلات ولا تعب ونزول كل يوم ولا استيقاظ باكرًا ولا شيئ، أكاد أجزم أن نفسي الكسولة لو استطاعت أن تخرج تقبلني لفعلت! فهذا “ولا في الأحلام” كما يقولون!

فإذا كانت هذه أحوال شخص ما الدنيوية، فهل خمنت الآن ماذا يكون دعاؤه في كل صلاة؟ بالظبط! هو يريد أقصر طريق للجنة، ويا حبذا لو كان هذا الطريق بلا تعب ولا وصب، بل بلا حساب أصلًا! فكان هذا الدعاء وقصته المشهورة:

عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ومعهُ الرُّهَيْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، والنبيَّ ليسَ معهُ أحَدٌ، إذْ رُفِعَ لي سَوادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أنَّهُمْ أُمَّتِي، فقِيلَ لِي: هذا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وقَوْمُهُ، ولَكِنِ انْظُرْ إلى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فإذا سَوادٌ عَظِيمٌ، فقِيلَ لِي: انْظُرْ إلى الأُفُقِ الآخَرِ، فإذا سَوادٌ عَظِيمٌ، فقِيلَ لِي: هذِه أُمَّتُكَ ومعهُمْ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ. ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخاضَ النَّاسُ في أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ، فقالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وقالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا في الإسْلامِ ولَمْ يُشْرِكُوا باللَّهِ، وذَكَرُوا أشْياءَ فَخَرَجَ عليهم رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما الذي تَخُوضُونَ فِيهِ؟ فأخْبَرُوهُ، فقالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ، ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقامَ عُكّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ، فقالَ: ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي منهمْ، فقالَ: أنْتَ منهمْ؟ ثُمَّ قامَ رَجُلٌ آخَرُ، فقالَ: ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي منهمْ، فقالَ: سَبَقَكَ بها عُكّاشَةُ.

https://dorar.net/hadith/sharh/23645

جميل! فالموضوع جد بسيط لمثلي! فقط أكثر من هذا الدعاء السحري (اللهم ارزقنا الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب) أو (اللهم اجعلنا من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب) مع الاهتمام بإتباع الوصف الذي جاء في آخر الحديث وانتهى الأمر! بل الأعجب من ذلك أن قام أحدهم فقال ادعو الله أن أكون منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت منهم!

سرت على ذلك دهرًا، إلى أن استوقفتني عدة مواقف:
– المسلم في الدنيا كالمسافر، هو لا يهتم بسفره على قدر اهتمامه بوطنه الذي يذهب إليه، والذي من المفترض أن يكون “الجنة”!

– إذا فطريقة تفكير أمثالي الكسالى في تصريف أمورهم الدنيوية لا ينبغي أن تطغى على خطة الوصول للجنة! ففكر في الدنيا كما تشاء وأوجد لنفسك أقصر الطرق لكسب المال، وأبسط الطرق لتعيش هنيئًا سعيدًا ولكن ما هكذا يخطط الناجحون للأمور العظيمة!

– طريق الوصول واضح وصريح في وجهة نظري:
إيمان يصدقه عمل “بإخلاص وفيه اتباع للقرآن والسنة” يعقبهم الدعاء بالقبول.

لا مكان هنا لأصحاب الدعة والراحة فالأمر عظيم!

– فأيقنت أني كنت مخطئًا حين تركت مجلس القرآن مطمئنًا لأنني أقول “الدعاء”!
– وكنت مخطئًا حين تركت السنن وأكتفيت بالفروض مطمئنًا لأنني أقول “الدعاء”!
– أو أتأخر على الجماعات في المسجد، ولم لا؟ فأنا أقول “الدعاء”!

بالله، أي دعاء هذا؟!!

لن ندخل الجنة إلا برحمة الله! هذا معروف، بل مهما عملنا من عمل صالح إذا وزن كل هذا على الميزان ووضعت في الكفة الأخرى نعم الله علينا، لرجحت كافة النعم وطاشت كل أعمالنا، ولكن علينا بالإيمان والعمل لنكون ممن يستحقون رحمة الله!

ولعل “العمل” من أثقل الأشياء على أمثالي الكسالى لذا وجب الإستعانة بالله، ومن هنا جاء التحول لدعاء جديد! وصانا به نبينا بعد كل صلاة!
“اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك “!

ولعل الصورة الأكمل لهذا الموضوع في ذهني الآن هيا:
“اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، فنعمل عملًا صالحًا يقربنا إليك، فترضى عنا وتدخلنا في رحمتك، ونكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب”!

رحلتي من “اللهم ارزقنا الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب” إلى “اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”!

صاحب الحذاء الأحمر وصاحب الضفيرة وصاحب القلب المريض!

“لا أحكم على الناس بظاهرهم”  ~أنا في “معظم” الأحيان!

منذ سبع سنوات كنت في فندق في القاهرة لحضور مؤتمر ما هناك، وخلال أيام المؤتمر أرتاعني هذا المنظر العجيب بالنسبة لي في ذلك الوقت -ربما يكون قد صار عاديًا الآن- “رجل” من الحاضرين للمؤتمر يرتدي حذاء لونه أحمر! فقط هكذا، حذاء خالي تمامًا من أي زينة أو زخرفة أو رباط، هو فقط لونه أحمر، وعقلي للأسف لا يقبل بعض ألوان للرجال ولا يقبل بعض آخر للنساء، هو فقط لا يجد ذلك مريحًا للعين بطريقة ما لا أعرف سببها. ولكن ليس هذا هو المهم، فأنا أعرف تمامًا أنه كما يقولون “العين قد تشتهي ما لا يشتهيه العقل!” -لا أحد يقول ذلك فللتو قمت بتأليف هذه العبارة- فالأمر فيه متسع لاختلاف الأذواق بين الناس، ولكن حدثني قلبي وقتها أنه يستحيل أن يكون هذا الرجل على صلاح من دينه أو حتى يكون مهتم لأساسيات أمور الدين وعلى رأسها الصلاة على سبيل المثال! فهذا يرتدي حذاء أحمر!

انتهت آخر فقرات المؤتمر في هذا اليوم، وبعد انتهاء العديد من النقاشات القصيرة مع بعض الأصدقاء، هرعت إلى المسجد لصلاة العشاء (متأخرًا كعادتي السيئة) وما إن قربت من المسجد حتى أيقنت أنني بالكاد سألحق بهم قبل الإقامة بدقيقة مثلا! وهنا أثناء دخولي المسجد وجدت الحذاء!

حذاء أحمر! خالي تمامًا من أي زينة أو زخرفة أو رباط، هو فقط لونه أحمر! على عتبة المسجد:

  • فقد سبقني “الرجل” إلى المسجد. 
  • ورأيت “الرجل” يصلي السنة ثم جلس ينتظر الإقامة.

ثم نظرت إلى قلبي، فوجدته مريض! 


تخرجت من الكلية في عام 2013، ولكن ظللت متواجد على جروبات الفيسبوك الخاصة بالكلية، فضلت فقط على ألا أهتم بالتنبيهات التي تأتي منها ولكن لا مانع من أن ألقي نظرة كل فترة أو أخرى.

فإذا بيوم من الأيام أجد الفيسبوك عندي عبارة عن بوست واحد يتكرر ويعاد نشره من جميع أصدقاء الكلية، وكالعاده شدني في البوست صورة! وقد كانت لـ “رجل” بضفيرة! 

وأيضًا لسبب ما لم تألف عيني هذا المنظر ووجدته غريب ولم أهتم بقراءة تفاصيل البوست، إلى أن زاد معدل المشاركة من أصدقائي، فغلبني فضولي -وهو قوي- على أن أقرأ البوست على الأقل ﻷعرف من هو صاحب الضفيرة! 

فإذا به شاب يصغرنا من نفس الكلية، توفاه الله في حادث أليم وقد أثنى عليه الجميع بلا إستثناء، فهو الخلوق، المهتم بدراسته إلى حد كبير، ومهتم بتبسيط العلم وتوصيلها إلى أصدقائه، ومبادر دائمًا بالخير ومساعدة الآخرين. 

رحمه الله وأدخله فسيح جناته، فبعد أن قرأت عنه المزيد والمزيد رأيته “رجلًا” وقد كبر في نظري.

ثم نظرت إلى قلبي، فوجدته مريض! 


الْمَرْءُ إنْ كَانَ عَاقِلاً وَرِعاً        أشغلهُ عن عيوبِ غيرهِ ورعهْ
كما العليلُ السقيمُ اشغلهُ          عن وجعِ الناسِ كلِّهم وجعِْهْ

لا أعلم أي فراغ كان عندي وقتها ﻷصدر أحكامًا على هذا وذاك! بل وأسير أصنف الناس، هذا على هواي وهذا يخالفه، هذا لا أرتاح إليه وهذا على دربي! وأحمد الله أن أراني فساد هذا الحكم سريعًا. ثم هل خلوت من العيوب حتى أنشغل بعيوب الناس؟ وهل هذه أصلًا عيوب أم أن تصوري مضلل من البداية؟!

أيا قلبي لا تتسرع! ولا تحكم على الأمور بظاهرها، فلا تدري إلى أين يسير صاحب الحذاء الأحمر ولا ماذا يفعل صاحب الضفيرة! 

صاحب الحذاء الأحمر وصاحب الضفيرة وصاحب القلب المريض!

هل ساروا -حقًا- على الماء؟

لا أدري، لربما فعلوها وفعلوا ما هو أكثر، فيبدو أن ذلك ورد من أكثر من طريق في حق بعض الصحابة والتابعين، ولسبب ما لا أجدني مهتم بتتبع مصادر مثل هذه الأخبار بالإضافة إلى أنني لا أريد المشي على الماء، تعجبني السباحة وكفى!

وتطاردني بعض القصص المشابهة على الانترنت، عمن ألف مؤلفًا ثم ألقاه في البحر قائلًا “إن كان خالصًا لله فلا يبل، وكان الأمر كذلك!” وهو الآن بين يدي الكثير من طلبة العلم، بل في صدور البعض منهم، وكذلك من أخفى كل مؤلفاته في مكان لا يعلمه إلا هو وحافظ على السر طيلة حياته، حتى إذا كان في مرض موته، أسر إلى أحد طلابه بمكان الكتب وطلب منه أن يجلس بجانبه ويراقب حركة يده فإذا استشعر أنه قد قُبِل عمله، سيبسط يده (يعني ذلك أن ينشر الكتب) وإلا فسيقبضها (فلا ينشر الكتب)، وكان أن بسطها وانتشر العلم الذي في كتبه إلى يومنا هذا.

لن أذكر أسماء هؤلاء ولا مصادر تلك الروايات، فهي تحتاج الكثير من العلم والوقت لتنقيحها وتتبعها لإثبات صحتها أو كذبها، بالإضافة إلى أنني كما ذكرت لا أهتم أصلًا بهذه القصص، وعلام الإهتمام وقد مررت بما هو أعجب من هذا في حياتي؟ نعم، رأيت مصحفًا يطير إلى بلاد شتى ويقرأ منه أشخاص من جنسيات مختلفة بعد وفاة صاحبه الذى لم يكن ليعرف هذه البلاد في حياته أصلًا، وعلمت أن رجلًا بلغ من إخلاصه أن ساق الله مالًا للمسجد والمدرسة الدينية التي بناها في قريته بواسطة شخص يقيم في بلد بعيدة تمامًا عن بلده، بالإضافة إلى أن كل معلوماته عن تلك البلد أن أهله يتحدثون العربية لكنه ما كان يستطيع أن يحدد مكانها على الخريطة أصلًا!


“رجل المهام الصعبة” لربما يبدو لقبًا مضحكًا أن يطلقه عليك أحدهم، ولكني أحبه، أو على الأحرى أحب أن أسمعه ممن أطلقه، ولكن هيهات فقد توفي جدي لأمي رحمة الله عليه، ولهذا الجد قصة!


في أول هذا العام (2017) كنت في زيارة لدولة إندونيسيا، زرت فيها عدة مدن منها: جاكرتا وجودجا وباندونج وأخيراً لامونجان، تلك القرية الصغيرة في شرق جزيرة جافا (أو جاوا كما ينطقها أهلها) ولهذه القرية قصة!


عرفت أخًا لي هناك من على الانترنت وقررت زيارته، واصطحبت معي مصحفي، ولهذا المصحف -أيضاً- قصة!


كان جدي رحمة الله عليه لا يفارقه مصحفه يوميًا، فهو يقرأ منه قدرًا بعد كل صلاة ويزيد شيئًا بعد العشاء، فإذا جاء رمضان رأيتنا نحن معشر الرمضانيون نتسارع لختم القرآن مرة أو مرتين ولربما ثلاث مرات عند أفضلنا!

أما جدي، فرمضان كان فرصته ليصل الليل بالنهار ويزيد من ورده الذي اعتاده طوال حياته، فإذا كانت ليلة عيد الفطر تجده عاكفًا على القراءة والصلاة حتى وقت صلاة العيد!

عرفته هكذا كل عام؛ وكل يوم؛ حتى في ذلك اليوم الذي زارنا فيه مهنئًا اختي على نجاحها في إتمام الشهادة الإعدادية مصطحبًا معه تلك الهدية التي كانت غير تقليدية، فقد أهداها مصحفًا حجمه متوسط وله غلاف جلدي أخضر اللون، مطبوع بعناية في إحدى دور طباعة المصاحف اللبنانية. لا أذكر ما الذي حدث بعد ذلك اليوم فقد كنت في الصف الأول الإعدادي حينها ولكن ما أذكره هو أن هذا المصحف قد آل إلي منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا هو مصحفي، يكتنفني بالهداية والنور والبركة أحيانًا وأصاب بالوحشة والإكتئاب أحيانًا كثيرة حين أهجره حفظًا وتلاوةً.

“محمد شهاب الدين ناصح أبو الخير” عرفته من الانترنت كما عرفت غيره الكثير بل وعملت مع أشخاص قرابة الخمس سنوات لم أرهم حتى الآن، يمكن أن أعدد صفاته ومحاسنه ولكن يكفي في المجمل أنه شخص “طيب” وبالنسبة لي هذه كافية لتجعلني أدخر من المال وأسافر له حين سنحت لي الفرصة فمعرفة الطيبين وصحبتهم كنز، وقد كان الشهر الذي مكثته في إندونيسيا متنقلًا بين عدة مدن من أروع ما فعلت في حياتي (بعد زواجي من رضوى، فصحبة الطيبين كنز كما قلت…)، يعمل في جاكارتا ولكنه نشيء في قرية صغيرة تسمى لامونجان.

من المفارقات العجيبة أن دولة إندونيسيا بها أكبر عدد من المسلمين في العالم، غير أنها دولة علمانية لا تدرس الدين في المدارس! فما كان من والد محمد شهاب صديقي إلا أن أخذ على عاتقه مسئولية بناء مدرسة صغيرة وملحق بها مسجد يعلم أطفال قريته القرآن واللغة العربية بعد انتهائهم من دراستهم النظامية في المدارس الحكومية، وأراه إن شاء الله مخلصًا في ما فعل رحمه الله، فقد سخر الله شهاب ابنه -بعد وفاته- ليضيفنى على شبكات التواصل الاجتماعية، و ألف بين قلوبنا قرابة الخمس سنوات حتى قررت أن ازوره في قريته مصطحبًا معي مبلغ من المال قد جمعته من تبرعات أهل الخير هنا في مصر للمدرسة والمسجد، فما أظن كل هذا حدث إلا باخلاص هذا الرجل، فذاك إخلاص تطير له الأموال في رحلة مدتها 14 ساعة بالطائرة لتهبط في يد الله أولًا قبل أن تهبط في تلك القرية الصغيرة لتنفع هؤلاء الأطفال.

والأعجب من هذا أن أنسى مصحفي هناك في مسجد المدرسة ويمكث هذا المصحف هناك قرابة عام كامل يقرأ منه الطلبة ويحفظون ويتدارسون آياته قبل أن استرده مرة أخرى بعد قرابة العام، فكم من الحسنات كان في ميزان جدي رحمه الله بفضل الله أولًا ثم فضل إخلاصه وحرصه على كتاب الله قراءةً وتدبرًا!

فمما بدا لي أن الإخلاص له مفعول السحر، يسخر الله به الكون لنفع صاحبه! أليس هو مدبر الكون ومن إذا أراد شيئا أن يقول له كن… فيكون؟ فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا.

هل ساروا -حقًا- على الماء؟

الأمهات أقوى من السيبروفلوكساسين!

Ciprofloxacin photo
Photo by Thirteen Of Clubs

“لو هناك احتمال حدوث خطأ ما فسوف يحدث” – قانون مورفي

هذا القانون هزلي وفقط يتم ذكره للسخرية والتندر وليس له أي علاقة بالموضوع 😀

ولكن دائمًا تثير إعجابي القواعد/الأحاجي المنطقية، وأرى فيها فرصة لتدريب الدماغ على أبسط وأريح الطرق في التفكير، ولعل أبسط شيء منطقي يمكن أن يدركه أي شخص “عدم توقع النتيجة إذا لم يحدث السبب”، فما دون ذلك -في الأغلب- هو المعجزة أليس كذلك؟ لن تتحرك السيارة إذا لم تقم بتشغيل الموتور، لن تشبع إلا إذا أكلت، لن تجتاز الإمتحان إلا إذا حضرت الإمتحان في الأساس وحققت درجة النجاح…

لن تموت البكتيريا شديدة الحساسية لمادة السيبروفلوكساسين إلا إذا وضعت لها مادة السيبروفلوكساسين! هذا منطقي وسهل جداً، من الساذج الذي يتوقع عكس ذلك؟!

عندي مشكلة في أذني، لا أحب أن أوصفها بالـ”مؤلمة” -فهي ليست مؤلمة على الإطلاق- بل أفضل وصفها بالـ”السخيفة” أو الـ”المملة”! بكتيريا غير لطيفة بالمرة وجدت طريقها في أحد الأماكن الخفية في الأذن، تنشط وتزداد نشاطًا إذا وجدت وسط مناسب لحياتها التي تبذل أقصى ما وسعها للحفاظ عليها، الماء هو وسطها المفضل وما أسهله في الأذن. لحسن حظي أن لديها نقطة ضعف وهي حساسيتها المفرطة للسيبروفلوكساسين، “فقط” عليك أن تضع تلك المادة في أذنك ثلاث مرات يوميًا، مع تناول أقراص من نفس المادة مرتان يوميًا وينتهي كل شيء في ثلاثة أيام على حد أقصى، وحيث أن العدوى للأسف مزمنة، فيجب أن ترفع شعار: “وإن عدتم عدنا!”.

الموضوع ليس بجديد بالنسبة لي، أستطيع أن أتذكر أنني مررت به قرابة الخمس مرات إلى الآن، وتنجح خطة العلاج في كل مرة ولله الحمد، ولكن هذه المره مختلفه!  لم يتغير شيء عن المرات السابقة، فقط سافرت الأم! فما كان يأخذ ثلاثة أيام للعلاج صار يأخذ أسبوع بلا أي تحسن!

كانت ماما -أو سوبر ماما؟- تقطع ما يشغلها 3 مرات في اليوم، وتأتي إلي وأنا جالس أمام الكمبيوتر -وربما دون أن تقول شيئًا- تميل رأسي وتضع قطرات في أذني وتنصرف، وفي المساء ربما ذكرتني أو أحضرت الأقراص إلي مباشرة أيضًا، صدقًا كنت أرى ما تفعله مضحك جدًا، فلست أنا ذلك الطفل الصغير المدلل الذي يحتاج هذا النوع من العناية! أستطيع أن أفعل ذلك لوحدي، ومن عاقل في الدنيا لا يستطيع أن يأخذ علاجه بنفسه إذا لمس تحسنًا وشفاءًا؟! ولكن على أي حال لا مانع من أن أذهب إليها ليلًا طالبًا منها أن تضع بعض من تلك القطرات مرة أخرى، فأنا أشعر بتحسن الآن ولربما علي أن أكمل مدة العلاج، وأراها سعيدة بمشاركتها في هذا الإنجاز!

لا أعرف لماذا لا تموت هذه المره؟ أسبوعًا كاملًا أتوقع أن تموت البكتيريا من السيبروفلوكساسين الذي لم أضعه! أو أضعه على استحياء وأتناوله حين أتذكر، مره كل يومين؟ تبين لي أنه لم يكن من السهل أن تترك ما يشغلها لتأتي وتضع القطرات وتستأنف ما بدأت، هناك شيءٌ ما قوي دفعها إلى ذلك، شيءٌ لم أفهمه حينها، ظننته سهلًا و “منطقي” و يستطيع أي عاقل أن يفعله!

أنسى الأكل، أنسى النوم، أنسى العلاج، أنسى نفسي أمام العمل و مشاغل الحياة الأخرى، ولكنها ما نسيت فالحب ذكَّرَها!

لا تتوقع نتيجة للسيبروفلوكساسين إلا إذا استخدمته كما ينبغي في الأساس! وابحث على من يُكِنّ لك شيئًا من الحب فذاك أدعى أن يذكرك أحدهم حين تنسى نفسك!

Photo by Thirteen Of Clubs

الأمهات أقوى من السيبروفلوكساسين!

الحسد “ده مذكور في القرآن”!

jealousy photo
Photo by Quasic

أربع مرات في الحقيقة! تجده في البقرة والنساء والفتح والفلق:

– وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿البقرة: ١٠٩﴾

– أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ﴿النساء: ٥٤﴾

– سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّـهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّـهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿الفتح: ١٥﴾

– وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴿الفلق: ٥﴾

 فالحسد في القرآن نراه من أهل الكتاب -اليهود والنصارى- عندما تبين لهم أن ديننا هو الحق، أو نراه من اليهود فقط -في سورة النساء- يحسدون النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على ما آتاهم الله من النبوة والإيمان والتمكين في الأرض، وربما استخدمه من خُلِّفوا في غزوة خيبر ليتهموا به المؤمنين الذين خرجوا للحرب أنهم يحسدونهم ﻷنهم يريدون أن يخرجوا معهم للحرب (فقط ليأخذوا من الغنائم مثلهم) وتلك الغنائم اختص الله بها المؤمنين الذين شاركوا في صلح الحديبية وحدهم دون غيرهم، فاتهموا المؤمنين بأن منعهم من اصطحابهم لهم ليس تصديقًا لأمر الله إنما حسدًا لهم أن ينالوا من الغنائم معهم، وأخيرًا نستعيذ بالله من شر الحاسد إذا عمل ما يدفعه إليه حسده في سورة الفلق.

 هذا في القرآن! وشتان بين ما قرأته في القرآن وبين ما أراه من الناس في حياتهم اليوميه عن الحسد، فهو عندهم شماعه للفشل، وملجأ لهم يهرعون إليه هربًا من مواجهة أنفسم بما فشلوا أن يحققوه! أو ربما كان بابًا من أبواب الشيطان ليوقع العداوة بين الناس (فلان ده عينه وحشه!) فهو المتهم اﻷول إذا حدث التالي:

–  خسرت في تجارتك (أكيد محسود، ولكن مستبعد أن تكون أخطأت أثناء عمل دراسة الجدوى لمشروعك؟)

– تشاجرت مع مديرك في العمل (أكيد محسود، ولكن مستبعد أن تكون صاحب خلق سيء وأخطأت مع مديرك؟)

– تسير في الشارع فصدمتك سيارة (أكيد محسود، ولكن مستبعد أن يكون ابتلاء من الله  لحكمه لا يعملها إلا هو؟)

– أصابك انقباض أثناء قراءتك هذا الكلام (أكيد محسود، ولكن مسبتعد أن يكون أسلوب كتابتي سيء ليسبب لك هذا الضيق؟)

وأمثلة أخرى كثيره يصعب حصرها، ولكن دائمًا هناك ملحوظتين أراهم في كل هذه الإدعاءات، اﻷولى هو تأكد الناس 100% أن سبب ما حدث لهم هو الحسد، صراحةً هذه مشكله كبيرة، لا أعرف كيف يصل أحد إلى هذه الدرجه من الثقة! استطيع أن أعدد فوق ال5 أسباب لكل من الأمثلة التى ذكرتها سابقًا -دون الحسد- وتستطبع أنت أيضًا ولكن لم تفعل ذلك؟ أعني لما تتهم نفسك بـ:

– التقصير في دراسة مشروع ما.

– عدم التوفيق في تحصيل بعض المواد الدراسية لسوء إدارتك للوقت.

– الكسل على العمل لحل مشاكلك اليومية مع زوجتك.

– وأخيرًا، لم تتهم نفسك بانشغالك عن الطاعات والأذكار.

إذا كان عندك هذه الشماعة السهلة… الحسد!

الملحوظة الثانية هي إذا فرضنا جدلًا أن الحسد كان فعلًا هو السبب وراء حريق مصنعك (ليس إهمال موظفينك، أو سوء اختيارك لهم، أو فشلك في إدارة المصنع أصلًا!) ماذا كان رد فعلك؟ هل اهتممت بوردك اليومي من القرآن والأذكار؟ هل ترقي أطفالك كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الحسن والحسين؟ هل أخذت بالأسباب لعدم تكرار حدوث هذا اﻷمر مرة أخرى؟

أما إذا تيقنت -100%- أن فلانًا قد حسدك، فهلا فعلت كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع سهل بن حنيف؟ سيكون ذلك أوقع عندي من أن ينال لسانك من هذا الشخص وتمشي أنت بالنميمة بين الناس (خصوصًا إذا كنت غير متأكد!):

أخيرًا لربما اخترت أيها المحسود أن تنتقم يومًا ما 😀 وتحسد الناس أنت أيضًا ولكن إذا فعلت فاجعلها في واحدة من هاتين:

عن أبي هريره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
“لا حسدَ إلا في اثنتَينِ : رجلٌ علَّمه اللهُ القرآنَ فهو يَتلوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ ، فسمِعه جارٌ له فقال : ليتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ ، فعمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو يُهلِكُه في الحقِّ ، فقال رجلٌ : ليتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ ، فعمِلتَ مِثلَ ما يَعمَلُ”

Photo by Quasic

الحسد “ده مذكور في القرآن”!

إن أخذها بركه!

اقْرَؤوا القرآنَ . فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه . اقرَؤوا الزَّهرَاوَين : البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ . فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ . أو كأنهما غَيايتانِ . أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ . تُحاجّان عن أصحابهما . اقرَؤوا سورةَ البقرةِ . فإنَّ أَخْذَها بركةٌ . وتركَها حسرةٌ . ولا يستطيعُها البَطَلَةُ . قال معاويةُ : بلغني أنَّ البطلَةَ السحرةُ .

الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 804 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

اقتباس

أفضل ما قالت العرب من الشعر!

أتقول شيئًا من الشعر؟ فأنشده:
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك الأدنى فقد يدبغ النَّعلُ
فإن دحسوا بالكره فاعفُ تَكَرُّمًا وإن أخنسوا عنك الحديثَ فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منه استماعه وإن الذي قالوا وراءك لم يقل

فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: “إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما”

صاحب الأبيات: العلاء بن الحضرمي

اقتباس